السبت، 18 فبراير 2012
12:02 م

هل يتمثل الشيطان للمحتضر قائلا له مت يهوديا أو نصرانيا عند الموت ؟؟





جاء في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ما نصه :




سُئِلَ عَنْ عَرْضِ الْأَدْيَانِ عِنْدَ الْمَوْتِ : - هَلْ لِذَلِكَ أَصْلٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمْ لَا ؟ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ 

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّكُمْ لَتُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ } مَا الْمُرَادُ بِالْفِتْنَةِ ؟ وَإِذَا ارْتَدَّ الْعَبْدُ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - هَلْ 

يُجَازَى بِأَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ الرِّدَّةِ أَمْ لَا ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ .


فَأَجَابَ : - الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ : أَمَّا عَرْضُ الْأَدْيَانِ عَلَى الْعَبْدِ وَقْتَ الْمَوْتِ فَلَيْسَ هُوَ أَمْرًا عَامًّا 

لِكُلِّ أَحَدٍ وَلَا هُوَ أَيْضًا مُنْتَفِيًا عَنْ كُلِّ أَحَدٍ بَلْ مِنْ النّاسِ مَنْ تُعْرَضُ عَلَيْهِ الْأَدْيَانُ قَبْلَ مَوْتِهِ ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ 

لَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ لِأَقْوَامِ . وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ الَّتِي أُمِرْنَا أَنْ نَسْتَعِيذَ مِنْهَا 

فِي صِلَاتِنَا : مِنْهَا : مَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَعِيذَ فِي صِلَاتِنَا 

مِنْ أَرْبَعٍ : مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ

 وَلَكِنْ وَقْتُ الْمَوْتِ أَحْرَصُ مَا يَكُونُ الشَّيْطَانُ عَلَى إغْوَاءِ بَنِي آدَمَ ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَاجَةِ .


وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ 

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ ؛ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ 

الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا 

ذِرَاعٌ ؛ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا } .وَلِهَذَا رُوِيَ : { أَنَّ الشَّيْطَانَ أَشَدُّ مَا 

يَكُونُ عَلَى ابْنِ آدَمَ حِينَ الْمَوْتِ يَقُولُ لِأَعْوَانِهِ : دُونَكُمْ هَذَا فَإِنَّهُ إنْ فَاتَكُمْ لَنْ تَظْفَرُوا بِهِ أَبَدًا } . 

وَحِكَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مَعَ أَبِيهِ وَهُوَ يَقُولُ : لَا بَعْدُ . لَا بَعْدُ : مَشْهُورَةٌ . وَلِهَذَا يُقَالُ : إنَّ 

مَنْ لَمْ يَحُجَّ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 

قَالَ : { مَنْ مَلَكَ زَادًا أَوْ رَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَلَمْ يَحُجَّ : فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا وَإِنْ شَاءَ 

نَصْرَانِيًّا } . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ 

غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ قَالَ عِكْرِمَةُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ 

فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ قَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ مُسْلِمُونَ . فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ 

حِجُّ الْبَيْتِ فَقَالُوا لَا نَحُجُّهُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } .




وَأَمَّا الْفِتْنَةُ فِي الْقُبُورِ فَهِيَ الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ لِلْمَيِّتِ حِينَ يَسْأَلُهُ الْمَلَكَانِ فَيَقُولَانِ لَهُ : مَا كُنْت تَقُولُ 

فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ مُحَمَّدٌ ؟ فَيُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ : 

اللَّهُ رَبِّي وَالْإِسْلَامُ دِينِي وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي . وَيَقُولُ : هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَآمَنَّا بِهِ 

وَاتَّبَعْنَاهُ . فَيَنْتَهِرَانِهِ انتهارة شَدِيدَةً - وَهِيَ آخِرُ فِتَنِهِ الَّتِي يُفْتَنُ بِهَا الْمُؤْمِنُ - فَيَقُولَانِ لَهُ : كَمَا قَالَا 

أَوَّلًا . وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْفِتْنَةِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ 

عَازِبٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهِيَ عَامَّةٌ لِلْمُكَلَّفِينَ ؛ إلَّا النَّبِيِّينَ فَقَدْ 

اُخْتُلِفَ فِيهِمْ . وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ . فَقِيلَ : لَا يُفْتَنُونَ لِأَنَّ الْمِحْنَةَ 


إنَّمَا تَكُونُ لِلْمُكَلَّفِينَ وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ 


وَعَلَى هَذَا فَلَا يُلَقَّنُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ . وَقِيلَ يُلَقَّنُونَ وَيُفْتَنُونَ أَيْضًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَكِيمٍ وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ 

عبدوس وَنَقَلَهُ عَنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إنَّهُمْ يُكَلَّفُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ 

أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْكَلَامِ . وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 

عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَاخْتَارَهُ وَهُوَ مُقْتَضَى نُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ .
وَأَمَّا الرِّدَّةُ عَنْ الْإِسْلَامِ " بِأَنْ يَصِيرَ الرَّجُلُ كَافِرًا مُشْرِكًا أَوْ كِتَابِيًّا فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ عَلَى ذَلِكَ حَبِطَ عَمَلُهُ 

بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ كَمَا نَطَقَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ . كَقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ 

وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ 

وَقَوْلِهِ : { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَوْلِهِ : {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } . 

وَلَكِنْ تَنَازَعُوا فِيمَا : إذَا ارْتَدَّ ؛ ثُمَّ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ . هَلْ تُحْبَطُ الْأَعْمَالُ الَّتِي عَمِلَهَا قَبْلَ الرِّدَّةِ أَمْ لَا 

تُحْبَطُ إلَّا إذَا مَاتَ مُرْتَدًّا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ ؛ هُمَا قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْحُبُوطُ : 

مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ 



وَالْوُقُوفُ : مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَتَنَازَعَ النَّاسُ أَيْضًا فِي " الْمُرْتَدِّ " . هَلْ يُقَالُ كَانَ لَهُ إيمَانٌ صَحِيحٌ يُحْبَطُ 

بِالرِّدَّةِ ؟ أَمْ يُقَالُ بَلْ بِالرِّدَّةِ تَبَيَّنَّا أَنَّ إيمَانَهُ كَانَ فَاسِدًا ؟ وَأَنَّ الْإِيمَانَ الصَّحِيحَ لَا يَزُولُ أَلْبَتَّةَ ؟ عَلَى 

قَوْلَيْنِ لِطَوَائِفِ النَّاسِ وَعَلَى ذَلِكَ يُبْنَى قَوْلُ الْمُسْتَثْنَى : أَنَا مُؤْمِنٌ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - هَلْ يَعُودُ 

الِاسْتِثْنَاءُ إلَى كَمَالِ الْإِيمَانِ ؟ أَوْ يَعُودُ إلَى الْمُوَافَاةِ فِي الْمَآلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ  



مجموع فتاوى ابن تيمية » العقيدة » كتاب مفصل اعتقاد السلف » مسألة عرض الأديان عند الموت