كثير منّاً قد سمع حتماً عن ظاهرة عبدة الشيطان، و لكن القليل من يعرف شيئاً عن هذه الجماعة نظراً لشحّ المعلومات عنها بالعربية و ارتباطها بأفكار و تصوّرات ممزوجة بسوء الفهم، فتارة هم جزء من مؤامرة يهودية عملاقة على العالم و تارة هم عملاء للموساد و تارة هم ماسونيون و مازوشيون و بطّيخيون...ألخ، لكنّ الكثير منّا يرغب فعلاً في معرفة حقيقة هذه الطائفة بعيداً عن المغالطات الإعلامية : من هم ؟ ماهي معتقداتهم ؟ ما هي طقوسهم ؟ كيف شكلهم ؟ هل يقدمون القرابين البشرية ؟ هل يمارسون الجنس مع الأموات ؟ ماذا تعني رموزهم و أشكالهم ؟...لماذا يعبدون الشيطان و ما الذي يدفعهم إلى ذلك ؟.
أسئلة كثيرة تدور في خلد كل واحد منّا حول هؤلاء القوم، و قد حاولت الإجابة عنها بشكل وافي و مفصّل في هذه المقالة المتواضعة مبيّناً تاريخهم و فرقهم و طقوسهم و رموزهم و بعض الجرائم المرتبطة بهم، متوخّياً الدقّة العلمية ملتزماً بالحياد قدر الإمكان. فهناك الكثير من الأمور الغريبة و الطقوس المرعبة التي يروّج العديدون أنها مرتبطة بعبدة الشيطان، و قد أخذت على عاتقي تمحيصها و مراجعتها من مصادرهم و تمييز الصحيح من الملفّق حتّى تكون للقراء فكرة واضحة عنهم.
عبدة الشيطان في العالم العربي
ساعدت وسائل الإعلام المرئية و المسموعة على انتشار ثقافة الـ”بلاك ميتل” Black Metal ، الموسيقى المصاحبة لعبدة الشيطان و المستعملة أحيانا في بعض الطقوس الجماعية و الحفلات الماجنة، من مخدرات و بغاء و غيرها، حتى وصلت العالم العربي، و كانت تلك البذرة التي فرّخت طوائف عبدة الشيطان في العالم العربي و أغلبهم من المراهقين و الشباب الطائش الذين جلبهم الفراغ الروحي و العاطفي و الخواء الفكري إلى هنا بتأثير من أصدقائهم غالباً بسبب الفضول الشديد في التعرّف على ما قد يبدو لهم عالماً خفيّاً إذا يكثر الحديث هنا عن الجنّ و العفاريت و القوى السحرية و الأمور الخارقة للطبيعة، مما يدفع الكثيرين إلى الدخول في هذه الطائفة و تجربة هذا العالم....ما يميز هؤلاء الشباب عن غيرهم من نفس الفئة العمرية هو كونهم في حالة مادية ميسرة و انتمائهم لطبقات اجتماعية عالية المستوى في معظم الأحيان لتمكنهم من تمويل حفلات السهر و الشرب و الحشيش و غيره من المخدرات، إضافة إلى الملابس و الإكسسوارات و الأدوات المستعملة في المناسبات و الطقوس المختلفة، و من جانب آخر عدم تجرأ الآخرين على منعهم و ثنيهم عن أعمالهم هذه، بل و حتى السلطات المعنية عن اعتراض حفلاتهم و اجتماعاتهم و حتى تواطؤ بعضهم مع هذه الجماعات للنفوذ القوي الذي يتمتع به احد أفراد هذه الجماعة.
عبدة الشيطان في العالم العربي ليسوا بخطورة أمثالهم في الغرب فعبدة الشيطان العرب لا يقومون سوى بالتقليد الأعمى محاكاة لما يقوم به البعض في الغرب من عبدة الشيطان الحقيقيين و انه لا يوجد تنظيم حقيقي لعبدة الشيطان في العالم العربي، بل مجرد حفلات عربدة كالموجودة في الفنادق و بعض المزارع الخاصة و لكن أغلب الحاضرين لا يفقهون شيئاً عن الشيطانية و عبادة الشيطان بل فقط يريدون الإحساس بالإثارة و المغامرة و روح التمرد، فلا تعدو أغلبية حفلات عبادة الشيطان المكتشفة في بلادنا العربية سوى تقليد أعمى لا أكثر و لا أقلّ فلا توجد مثلاً جماعة سرية تقوم بتقديم الطقوس القربان البشرية من اجل إرضاء الشيطان يمكن القول أن هذه العبادة برزت في العديد من الدول العربية منذ حوالي العقدين من الزمن فيعود أول ظهور لعبدة الشيطان عام 1986 في لبنان وفي منتصف العقد الأخير من القرن الماضي كشف عن وجود بعض مجموعات عبدة الشيطان في كل من الأردن ومصر والمغرب وبعض الدول العربية والإسلامية الأخرى.
نصائح للآباء الذين يخافون على أبنائهم من الانجراف وراء مثل هذه المعتقدات :
من المعروف أن الوقاية خير من العلاج.. لذلك فالتربية المتكاملة هي العاصم الوحيد من الانزلاق إلى هذه الضلالة الخطيرة، سواء بأبعادها الدينية الملحدة، أو الأخلاقية المدمرة. وتأتى هذه التربية من خلال البيت، والمسجد أو الكنيسة والمدرسة، ووسائل الإعلام والاتصال، تلك التي بدأت تقتحم حياتنا وتربى أولادنا نيابة عنا.. في غزو ثقافي ومادي وأخلاقي خطير.. وها هي الأقمار الصناعية، وشبكة الانترنيت، التي كان يجب أن تقدم الإيجابيات للأجيال الصاعدة تتحول عند البعض إلى مجلباً للضياع و الفساد.... الواجب - إذن - أن نقوم بعملية تأصيل للشباب في ميادين عديدة مثل:
1- التأصيل الإيماني والروحي:
حيث يُربّى النشء على الإيمان العظيم، والقيم الروحية الخالدة، ونقدم لهم المثل العليا، سواء في تاريخنا العريق، أو واقعنا اليومي المعاش. إن تقديم الشعوب لا يكون بالمادة والعلم وحدهما، ولكن بالقيم الروحية أيضاً حيث الإيثار والعطاء والمحبة والطهارة.. تلك التي تهب النفس سكينة وسلاماً وهدوءاً.
2- الاستنارة الذهنية والثقافية:
فالعقل المستنير المتفتح المطلّع على العلوم الإنسانية المختلفة: كالتربية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع .. هو عقل واعٍ قادر على التمييز بين الغث والسمين، كما أنه عقل قادر على ضبط الجسد والغرائز، والاتجاهات والعادات والعواطف. لذلك يجب أن نشجع على القراءة والثقافة البناءة، مثلما نشجعهم على التفكير المنطقي و استعمال ميزان العقل لوزن جميع الأمور
3- الصحة النفسية:
فالنفس الهادئة المطمئنة يصعب أن تسقط فريسة الموسيقى الصاخبة، التي تغيب صاحبها عن عالم الواقع، أو فريسة الصداقات السيّئة، التي تقود الفرد إلى المخدرات والضياع و الفساد.. ومن علامات النفس الصحيحة أنها:
أ- تحيي إحساس الثقة في النفس وفى الآخرين.
ب- تعيش مشاعر السعادة، بسبب إيمانها بقدرة وقيادة الخالق، وبسبب ضميرها المستريح.
ج- تقبل ذاتها والآخرين، في تفاعل ناضج بناء، وتجاهد كي ترتفع فوق الدنيا والخطايا والمضعفات.
د- تكون مستقلة فكرياً ووجدانياً، غير قابلة للانقياد الأعمى.
هـ- تضع أمامها أهدافاً معقولة، قابلة بمعونة الله.
و- تنجح في علاقاتها مع الآخرين، بكفاءة تشبعها نفسياً واجتماعياً.
4- التربية الفنية والأدبية والرياضية:
ونقصد بذلك انشغال الشباب فيما يبنيه، ويفجر طاقاته المبدعة، سواء في مجال الفنون المختلفة كالموسيقى الهادئة، أو الرسم والتصوير والتمثيل والأشغال المتنوعة، أو الإبداع الأدبي: في الشعر والزجل وكتابة القصة، أو أنواع الرياضيات البدنية غير العنيفة. كل ذلك فى إطار ما يبنى روحيات الإنسان ووجدانياته وجسده، دون أن يؤثر على أخلاقياته ومبادئه وتدينه السليم.
5- التأصيل الاجتماعي وروح الانتماء:
فالانتماء حاجة نفسية هامة، والشباب الذي يسقط فريسة هذه الانحرافات هو شباب ضائع، لا يشعر بانتمائه إلى الدوائر المختلفة التي تتسع شيئاً فشيئاً.
أ- دائرة الأسرة: حينما لا تتفكك فتفقد إمكانية تربية وقيادة أبنائها. سواء بالمشاكل العائلية بين الزوجين، أو بسفر أحدهما أو كليهما للخارج، تاركين الأبناء نهباً للشيطان وأعوانه.
ب- دائرة الأصدقاء: حيث يجب أن يتم انتقاؤهم بطريقة جيدة ومعايير سليمة.
ج- دائرة الدراسة: حينما يتخير الشباب أصدقاء صالحين، ويرى في مدرسيه القدوة الحسنة.
د- دائرة الدين: حينما يتعرف على خالقه ووصاياه، ومكافأته في الدنيا والآخرة.. ويعرف أن الدين سياج وليس قيوداً.
هـ- دائرة الوطن: حينما يحس الشباب بعضويته في هذا الوطن، ويسهم في بناء بلدة، والتواصل مع كل من حوله في حب ووئام.
و- دائرة البشرية: حينما يتسع قلبه للناس جميعاً، في محبة باذلة وخدمة فعالة